الأخبار

المولد النبوي"..قيمٌ بحاجة لإحياء من البوابة المؤسسية في المجتمع



كتب بلال الذنيبات

 تحتفي الأمتين العربية و الإسلامية الأحد الثاني عشر ربيع الأول بالمولد النبوي الشريف، حيث ولد النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، في ظرف تاريخي دقيق كانت تمر فيه جزيرة العرب ذات المجتمعات القبلية المتناحرة والقائمة على الغزو والسيادة القبلية في مكة و ما حولها، هذا النبي الذي حمل في ما بعد أعظم رسالة ستُشكل حضارة في ما بعد باتت محط  تقدير العالم أعدائه قبل انصاره، وهو ما بدا واضحًا في مؤلفات العديد من المفكرين الغربيين، والذين ركزوا على القيم التي حملها هذا الرسول العربي الهاشمي. 

إذ قال جورج برنارد شو، "إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع الديانات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، حتى ليمكن أن يقال أن تحول أوروبا إلى الإسلام قد بدأ. إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها".

وقال الاقتصادي جان جاك روسو، "لم ير العالم حتى اليوم رجلا استطاع أن يحول العقول، والقلوب من عبادة الأصنام إلى عبادة الإله الواحد إلا محمداً، ولو لم يكن قد بدأ حياته صادقاً أميناً ما صدقه أقرب الناس إليه، خاصة بعد أن جاءته السماء بالرسالة لنشرها على بني قومه الصلاب العقول والأفئدة، لكن السماء التي اختارته بعناية كي يحمل الرسالة كانت تؤهله صغيراً، فشب متأملاً محباً للطبيعة ميالا للعزلة لينفرد بنفسه".(1)

وتشكل القيم في الديانة التي حملها هذا الرسول "عليه الصلاة والسلام"، قطب الرحى في قلب هذا الدين والذي تشكل فيه القيم عصبه و شريانه الرئيس، سيما وأن أهم عباداته لا تستقيم من غير تلك القيم وهي قيم السماحة والاعتدال والرحمة والصدق والإيثار والأمانة والإخلاص والإخوة ..الخ.

فمثلاً ترتبط الصلاة، باستقامة هذه القيم لدى من يمارسها إذ أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى، في سورة العنكبوت، الآية 45:"وإقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، والصوم يقوم على الشعور مع الآخرين، سيما المتعبين والفقراء منهم، كما وأن الحج يجذر معاني الإخوة و المساواة بين البشر، والزكاة تبني وتعزز أواصر وروابط المجتمع، وتعمل على توزيع الثروة وتعميم منفعتها، بدلا من تركيزها في أوساط قليله من الناس، كما فعلت الرأسماليىة، وتحد من التسلط على الحرية الفردية كما في الشيوعية، كنظامين عرفا في الاقتصاد البشري خلال القرنين الماضيين.

ونحن نستذكر اليوم هذه القيم ننظر إلى مجتمعاتنا الموغلة في المادية والقائمة على التنافس والتناحر والمغالبة، والخالية من أبسط المشاعر الإنسانية والقيم الآدمية، إذ يأكل فيها القوي الضعيف، ويلتهم فيها الرأسمالي العوام من الفقراء والمتعبين، ولا ينظر فيها إلى حال الجوعى، ومن لا يجدون قوت يومهم، ولا صنعة معاشهم، في حين نرى أكوام الطعام، ما لذ منه و طاب، مرميًا في الحاويات، وينفق فيها على ملذات شهوانية في العديد من المجتمعات المترفة، والتي هي ذاتها لا تخلوا من الفقراء والمحتاجين في إشارةٍ فضيعة لمستوى الإنحطاط الأخلاقي والإنساني لأبناء تلك المجتمعات.

وفي نظرة متفحصة لما تجري عليه الأمور في أسواقنا ومجتمعاتنا يشكوا هؤلاء ذاتهم-المترفين، من إنتشار السرقة والفاحشة المادية والمعنوية ما يهدد مصالحهم الاقتصادية، وترف معيشتهم، الى جانب تعريض البضائع والصنائع للكساد، والمزيد من المخاطر على سلامتها وتحقيقها المكاسب لأصحابها، فمثلا نسمع عن حوادث السطو على المصارف والبنوك وسوء الأمانة بين البشر، كما ونرى ضعف الشعور بالأمن والطمأنينة في بيوتنا، ومحالنا التجارية، وشركاتنا وصنائعنا، نتيجة غياب القيم، وهذا التفسخ في العلاقات بين البشر، وهو ثمن باهظ تدفعه الإنسانية لقاء تحولها عن القيم والمبادئ لصالح المادة والمال المجردين.

وبات الواحد منا يلهف وراء القرش، ولا يفكر في مصدريته ولا الثمن الذي سيدفعه مقابل الحصول عليه من كرامته وشرفه وإنسانيته ما يفسد ضميره الحي الذي فطره الله عليه في داخله.

ونرى في ذات الوقت من لا يولي القيم والمبادئ أي أهمية في المدرسة ودور العبادة والأسرة، وإن حدث فإنه لا يعلو على مبدئية المال وتحصيل القرش، بغض النظر عن مدى حرمته من حلاله، مستخدمين بذلك جيش من التبريرات التي يضحكون فيها على أنفسهم، فيجنون بذلك المزيد من الفشل والضنك الحياتيين، ومن ثم يشكون من توليفة نفسية من الأمراض، كعدم الطمأنينة والخوف غير المبرر والتعب والإجهاد، إلى جانب عدم الثقة بالآخرين ما يهدد الاستثمارات والرفاهية بأي مجتمع كانت أدواته الضبطية متطورة ومتقدمة ذاك أن روحها المتمثلة بالقيم مفقودة وغير فاعلة، وخصوصًا الثقة منها. 

وعلى مستوى التربية باتت الأسرة ضائعة في تحديد بوصلتها في عملية التربية للناشئة، فباتت تعمد إلى ممارسة تربوية، تسببت في تدمير شخصيات الأبناء، وسلخهم عن قيمهم الدينية، ما تسبب في انخراطهم بالحياة المادية، بلا قيم ما أنتج دوامة من انحرافات السلوك، ممثلة بالمخدرات والجريمة وصولا إلى السرقة وسوء الأمانة والبذائة في اللسان حتى بات الواحد منهم ينطق بالكلمة المسيئة في المزاح والنكات مع شلته.

ومعظم المشاكل التربوية ناشئة عن غياب القدوة والابتعاد عن التعلم من القصص القرآنية التي حملها هذا النبي الكريم، وضعف تمسك الناس بالنظام التربوي المتماسك، الذي صنع في التاريخ رجال من أمثال أولئك المؤمنين الذين قام على كواهلهم نشر هذا الدين، والمحافظة عليه وصولا الى هذا اليوم، كما يفسر الثبات الإسطوري الذي هو عليه أهلنا في قطاع غزة خلال سنة صعبة من الحرب التي فاقت كل الحروب ببشاعتها وفداحة خسائرها ومتاعبها.

وإلى جانب الاقتصاد والتربية فإن القيم التي مثلها الرسول محمد، خير تمثال في حياته وسط الناس فكان إنسان يبيع ويشتري متسلحا بأخلاق الدين، ويمارس علاقاته الزوجية مسلحًا بها، كما ويربي الأطفال عليها أيضًا، مخرجًا منهم الرجال الأشداء الأقوياء، الذين يواجهون تحديات الحياة ولا يرضخون لمغرياتها على حساب قيمهم الدينية ومبادئهم الإنسانية الأمر الذين افتقرناهما مع فشل مؤسساتنا المجتمعية البنيوية في وقتنا الحاضر (الأسرة، دور عبادة، مدرسة)، في تأدية مهمة تربية القيم في الناشئة.

 *1 وكالة سبأ نت، قالوا عن النبي محمد، نشر في 5-اكتوبر-2022.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-