الأخبار

"حق التجمع والمصافحة..جدل الحقوق والحقيقة المتناقضة"



بلال الذنيبات

شكل العام 2024م، أكثر الأعوام تحطيمًا لصورة "الديمقراطية"، وهزًا لصورة الحريات العامة، والحقوق المدنية والسياسية، سيما حق التعبير عن الرأي، على المستوى العالمي، حتى أن "منصات التواصل"، ذاتها شاركت في حملات القمع المنظم لتلك المثاليات.

أثبت العام 2024م، أن المصالح والغائية المنمقة-على الأقل، هي المسيطرة، والحاضرة في التأثير على مستويات الحريات العامة الوهمية، حتى بات التضامن مع غزة مثلاً، مدعاة لنكران الحق في التعبير عن الرأي، وبات الحديث عن غزة، محظورًا وممنوعًا في الكثير من البلدان-الديمقراطية.

حتى أولئك ممن يدينون الديانة اليهودية، ويعبرون عن رفض ما يجري بإسمهم من مذابح، يتهمون بتهم معاداة السامية، وفي أحسن الأحوال، يتهمون بأنهم كارهين لذاتهم!، وكأن "التضامن  الإنساني"، جريمة يُحاسب عليها المتضامنين، لأن المثير هنا  عربي مسلم أسمه غزة، في حين يتم إنتهاك حريات الناس في ممارسة حيواتها الثقافية المختلفة، عندما يتم التعريض بأحمد الشرع، على خلفية طلبه من وزيرة أوروبية طلبت منه التقاط صورة لبس الإشار-غطاء الرأس، وممانعته مصافحة سيدة وتحيتها بوضع اليد على الصدر، وهذا تعبير يوازي التحية والتقدير للضيف والأخر، ولا يعد تجاهلاً وإقصاءًا له. 

"احترام الإنسان"، ومنذ أن توافق العالم على شرعة حقوق الإنسان، لم يأخذ العالم بعين الإعتبار سوى النموذج الأوروبي والأمريكي-مع تقديرنا للنموذجين في سياقهما، إمثولة وأعجوبةً يجبُ أن تُفرض على العالم، وقد عززت الدراما المعولمة، والتدفق الثقافي من المركز إلى الأطراف، هاته الصورة والنمطية، ما جعل حقوق الإنسان، حقوق مؤطرة بإطار الغرب الليبرالي-المقدر بذاته، وتجاهل حق الإنسان النامي، الآسيوي والإفريقي، ولم يأخذ بعين الاعتبار الثقافات المتنوعة، وحق الإنسان المنسجم مع بيئته.

تقرير هيومن رايتس ووتش، المعنون بحق التجمع السلمي في الأردن بين القيود الشريعية والممارسات الأمنية، ورغم تقديمه رأيًا متوازنا، حيث قال أن المملكة، كانت تتعامل مع التضامن مع غزة، من باب التوازن بين النظام العام والمصلحة الوطنية من جانب، وحق الأفراد في التعبير-المشروع، عن رأيهم، وبالصورة المُثلى، وهذه الحالة الطبيعية، والتي أظهرت السنة الفائتة شيوعها في العالم الديمقراطي، والذي بالغ أحيانًا بتقييد النشاطات التضامنية، سيما شركة "ميتا"، والتي فعلت "الحظر التام للحسابات"، ما يشبه إجراء الإعدام الميداني، والذي يفترض أن العالم "الديمقراطي"، تجاوزه وصار يحترم تعدد الأراء.

ومن العيوب التي يثيرها التقرير المذكور، أن الأردن منع الأطفال من المشاركة في النشاطات التضامنية، ومنع استمرار الفعاليات لأوقات متأخرة من الليل، وربما حدوث بعض الإعتقالات هنا وهنالك، وبعض القيود، والتي إن قورنت بالعالم-الديمقراطي لكانت قليلة ومحدودة، إلى جانب كونها محقة، ومن ثمة أن الطفل يجب أن يكون محميًا من التجاذبات العامة، لا وقودًا لها.

لم يذكر التقرير، والمكون من 23 صفحة، والصادر حديثًا، الظروف التي وجد الأردن نفسه فيها، وهي ظروف جد دقيقة، وغير مريحة أبدًا، وإن كان التقرير يؤكد أن الأردن، شرع التعبير عن الرأي بكافة صوره، ونظم ذالك بمجموعة من القوانين، وعمل على التوازن بين مصالحه الوطنية والنظام العام، وحق التجمع السلمي، بيد أنه أغفل التعامل الرسمي-المتزن، مع فعاليات التضامن مع غزة، والدور الرسمي في إظهار التضامن الصادق مع الأهل هنالك، والظروف المتوترة التي تشهدها المملكة، حيث تواجه الأردن مخاطر على الحدود مع جيرانها منذ سنوات.

لقد خلقت تداعيات ما سُمي "الربيع العربي"، منذ العام 2011م، ظروفًا تطلبت جهودًا أمنية وعسكرية استثنائية، متواصلة ومضنية ومكلفة، في بلد ذو إقتصاد نامٍ، ويعاني أساسًا من عجوزات في موازناته سنويًا، وجعلته في مواجهة مخاطر المخدرات، حيث شكل النظام السوري المخلوع، جمهورية كبتاجون في الجوار منه، إلى جانب الإرهاب، والذي دفع الأردنيين ثمنه من دمائهم، في عدة حوادث منذ العام 2014م.

والمتابع للمشهد الأردني، بعدالة وإنصاف، يرى كيف كان التضامن مع غزة، تضامنًا حقيقًا، ومنطقيًا وواقعيًا، ويضاهي حتى ما قدمت بلدان-حقوق الإنسان، ومنصاتها الرقمية عليه، فقد أبرزت الأردن المأساة الفلسطينية في الشارع الأردني، عبر تنظيم فعاليات ثقافية رسمية كان لغزة فيها نصيب، من مثل معرض عمان الدولي للكتاب، ومهرجان جرش الثقافي، ومكتبة الأسرة، وهي نشاطات رسمية تنظمها الحكومة، والتي يُدعى أنها تحاسب المتضامنين مع غزة، ممن لا يسيئون للدور الأردني، ويحاولون الترويج لأجندات دمرت المنطقة، ولم تقدم غير العنتريات لغزة خلال تاريخها، وحتى الآن، بل اكتفت بتقديم عروض بهلوانية فقط عبر الشاشات.

الأردن-المتهم بكل ذميمة، من قبل أولئك الصفراويين في كلامهم، قدم 5 منشآت صحية، في غزة والضفة الغربية، وتديرها القوات المسلحة-الجيش العربي، ومبادرات لمعالجة الإخوة من غزة في مركز الحسين للسرطان، وزراعة الأطراف الصناعية، والتقى الملك، عبدالله الثاني، بعدد ممن يعالجون في عمان من الأهل، كما وتقدم مساعدات برًا وجوًا، حيث ورغم الظروف الاقتصادية، شكل الأردنيين، وتحت مسؤولية الهيئة الخيرية الهاشمية والقوات المسلحة، جسرًا بريًا وجويًا للمساعدات.

ويسجل التاريخ، أنه وفي حين كان العالم يكافح-بالتصريحات، من أجل إدخال المساعدات عبر الطرق البرية، تمكنت الدبلوماسية الأردنية المرموقة والقوية، من تحليق أول طائرة تتبع لسلاح الجو الملكي، فوق القطاع المحاصر، محملة بالمساعدات، كما وقاد الأردن أسرابًا من الطائرات لاحقًا.

صحيح أن غزة بحاجة المزيد، وهي بحاجة لوقف الحرب أكثر من أي مساعدة أخرى، ولكن الأردن قدم إلى جانب عدد من الدول العربية ما يمكنه، ويجاهد في تقديم المزيد، وهو يتحرك برؤية متوازنة وعقلانية، تتعامل مع الرؤوس المدببة في عالمنا، حيث أن الأردن يتقن خلال خبرته السياسية العميقة في المنطقة، اللعب على الزوايا الحادة.

وعودًا لقصة الشرع، فقد أثارت صورة عدم مصافحة السيدة، ولبس أخرى الإشار، تعليقات البعض، وعدوها تجاوزًا من الإدارة السورية الجديدة على حقوق الإنسان والمرأة، ولكن أحدًا لم يسأل الفتاة التي لم تنتقد السلوك، عندما أجرت مقابلات تلفزيونية بلا الإشار لاحقًا، دلالة أنها لم تتعرض للإكراه عليه، ولبسته بمحض إرادتها، كما ولا يتم إحترام الإنسان الذي لا يحبذ المصافحة باليد، والذي من حقه-ما دام أنه لا يتعدى على حقوق الآخرين، ممارسة التحية المناسبة لثقافته، ومهما كانت، وهي جذر شرعة حقوق الإنسان.

عندما يتعلق الأمر بنا وبمنطقتنا، يمسي أي سلوك مشين بنظرهم، ولا يتم تقدير ظروفنا وثقافتنا ورؤانا نحن-ونحن جزء من الإنسانية، في حين لا يعيبون على أنفسهم ممارستهم القمع غير المحدود للمتضامنين مع الإنسان الذي يُذبح، ولا يفعلون سوى التصريحات للتعامل مع المذابح والمجاعات، وكأن منطقتنا مكتوب عليها الويلات والمجاعات والنكبات، والتضامن معنا من قبل البشر المنصفين جريمة، فيما هم وحدهم على حق في كل شيء.

عالمنا لا يستقيم سوى بالاستماع لثقافتنا المشتركة، واحترام بعضنا البعض، بعيدًا عن الاتهامات المتبادلة، فلا الشرع قام بفعل يسيء للحق الإنساني، ولا الأردن كذالك، وكلاهما انطلق من ظروفه وثقافته ومصالحه ورؤاه.

(الذنيبات نيوز)

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-