الأخبار

"الديكتاتورية..كيف تصنع من رحم الثورات، مشاهد سورية نموذجًا"



بلال الذنيبات

يزخر التاريخ السياسي، بالعديد من الديكتاتوريين والطغاة، والذين بدأوا حياتهم في القيادة السياسية، تحت عناوين شعبوية، شكلت حولهم حالة من الاجتماع البشري، سرعان ما تحول هذا مبررًا لأولئك كي يحافظوا على كراسي الحكم.

وشكلت الشيوعية في القرن الفائت، والمشاعر القومجية، والدينية كذالك الأمر، مصدرًا لصناعة نُظم شمولية في العديد من المناطق حول العالم، منها سورية-نظام آل الأسد، والعراق-نظام صدام حسين، وليبيا-القذافي، وكذالك هتلر ألمانيا، وغيرهم.

والمشترك في هذه النظم، هي أنها أعقبت مشاعر شعبية غاضبة، وأخرى معادية للقوى الاستعمارية، رأت في المشاريع القومية والدينية، خلاصًا وانعتاقا، فسقطت في دوامة عبادة الفرد، وتقديسه، والمناداة به "للأبد"، ما أعفى هؤلاء الطغاة من المسؤولية عن أفعالهم، وجعلت أياديهم مطلقة الحرية، ومن معارضيهم مجرد خونة وعملاء ومثيري للفتن.

واليوم وبعد سقوط نظام الأسد، أكثر النظم الشمولية تعميرًا وقمعية، حيث بنى ذاك النظام، سجونًا تجاوز العقل والمنطق الآدمي،  نرصدُ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شيئًا من الشعارات التي قمعت الأخر، وعملت على إقصائه، من التمجيد-المبالغ فيه أحيانًا، بالرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع "الجولاني"، قائد جبهة تحرير الشام، ذات الخلفية الدينية الإسلامية.

ورغم حالة التطمينات التي صدرت عن الشرع، ولكن ومن منظور سيكو اجتماعي سياسي، فإن الإنسان يميل لشهوة المنصب والسلطة، ويتملكه تقديس الذات، إذ ما رأى نفسه في محيط يكيل الفضل والتمجيد، سيما وأنه كان أداة رئيسة في تخليص المجتمع من حقبة مظلمة، ما يجعل الرأي العام متجمعًا في صفه، ويمارس القمع تجاه المعارضين له، حتى ولو كانت المعارضة صحية وبريئة، ما يعيد صناعة الديكتاتور تحت وطأة الضمير الجمعي المتضامن مع الشخص القائد.

لم تكن البلدان الأوروبية، والتي ضاقت حلاوة المدنية منذ عقود، لتنال تلك الحلاوة، حتى وعيت أن لا تصنع من الفرد ربًا يُعبد، وشخصًا فوق البشرية يعيش للأبد، ومهما كانت تضحيات الفرد، فإنه يتنازل عن ملذاته الشخصية ونزواته، لصالح الدولة والوطن، والجميع شركاء في التضحية لصالح الوطن، يتساوون في ذالك.

ودفعت المجتمعات الأوروبية، في العصور المظلمة، وفي حقبة صعود اليمين المتطرف والقومجية والدينية، أثمانًا باهضة من الدماء، في سبيل صناعة دولة القانون والمؤسسات، حتى عاشت تلك المجتمعات مرارات محاكم التفتيش، وتجارب دكتاتورية لا زال إرثها موجودًا في بطون الكتب، والذاكرة الشعبية.

يواجه السوريين اليوم، تحديًا حقيقًا في مواجهة تركة عبادة الفرد الثقيلة، على مدى عقود، تعود إلى ما بعد سقوط العثمانية، وحتى بزوخ فجر الدولة المابعد أسدية-بعثية، ما يتطلب صناعة دستور يصون العادات والتقاليد السورية العريقة، ويحفظ التنوعات العرقية والطائفية المتأصلة في المجتمع، ويمنح السوريين حياة كريمة يستحقونها، بعيدًا عن مشاعر الخوف، والتسلط اللا ارادي الضامر في النفوس، والتي لم ترى منذ أن ولدت، تجارب ديمقراطية مدنية حقيقية، وحتى تلك التي تنادي بالعلمانية، وتعتقد أنها تناوئ الدين، في حين أن أوروبا كنموذج، لا زال الدين محركًا فيها، ومع ذالك تمكنت من بناء حالة من التوازن، بين مدنية الحياة وروحانية الدين، وهذا ما جعل من تلك البلدان، تعيش تجربة المساواة والعدالة المنتقاة والمؤثرة، مستذكرين قول الرسول الكريم "ص"، أنتم أعلم بأمور دنياكم.

سورية بحاجة للمؤتمر الوطني الجامع، والذي يجمع كل الناس، بأطيافهم ومعتقداتهم، لصناعة مستقبل سياسي، يبعد بلادهم عن تلك التجارب المرة، والتي اتسمت باللون الواحد، فالمنجز هو ليس حكرًا على لون دون أخر، فهو منجز سورية، منذ العام 2011م، ولا تحتاج سورية اليوم لصناعة صنم جديد، بعد زوال آل الأسد، مع التقدير الجمعي لتضحيات السوريين خلال العقد والنصف الماضي.

(الذنيبات نيوز)

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-